سورة النحل - تفسير تفسير النسفي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (النحل)


        


{تالله لَقَدْ أَرْسَلْنَآ إلى أُمَمٍ مِّن قَبْلِكَ} أي أرسلنا رسلاً إلى من تقدمك من الأمم {فَزَيَّنَ لَهُمُ الشيطن أَعْمَالَهُمْ} من الكفر والتكذيب بالرسل {فَهُوَ وَلِيُّهُمُ اليوم} أي قرينهم في الدنيا تولى إضلالهم بالغرور، أو الضمير لمشركي قريش أي زين للكفار قبلهم أعمالهم فهو ولي هؤلاء لأنهم منهم، أو هو على حذف المضاف أي فهو ولي أمثالهم اليوم {وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} في القيامة {وَمَآ أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الكتاب} القرآن {إِلاَّ لِتُبَيِّنَ لَهُمُ} للناس {الذى اختلفوا فِيهِ} هو البعث لأنه كان فيهم من يؤمن به {وَهُدًى وَرَحْمَةً} معطوفان على محل {لتبين} إلا أنهما انتصبا على أنهما مفعول لهما لأنهما فعلا الذي أنزل الكتاب. ودخلت اللام على {لتبيين} لأنه فعل المخاطب لا فعل المنزل {لّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ والله أَنزَلَ مِنَ السمآء مَآءً فَأَحْيَا بِهِ الأرض بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ فِى ذلك لآيَةً لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ} سماع إنصاف وتدبر لأن من لم يسمع بقلبه فكأنه لا يسمع. {وَإِنَّ لَكُمْ فِى الأنعام لَعِبْرَةً نُّسْقِيكُمْ مِّمَّا فِى بُطُونِهِ} وبفتح النون: نافع وشامي وأبو بكر. فال الزجاج: سقيته وأسقيته بمعنى واحد. ذكر سيبويه الأنعام في الأسماء المفردة الواردة على أفعال ولذا رجع الضمير إليه مفرداً، وأما في بطونها في سورة (المؤمنين) فلأن معناه الجمع وهو استئناف كأنه قيل: كيف العبرة؟ فقال: {نسقيكم مما في بطونه} {مِن بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَّبَنًا خَالِصًا} أي يخلق الله اللبن وسيطاً بين الفرث والدم يكتنفانه، وبينه وبينهما برزخ لا يبغي أحدهما عليه بلون ولا طعم ولا رائحة بل هو خالص من ذلك كله. قيل إذا أكلت البهيمة العلف فاستقر في كرشها طبخته فكان أسفله فرثاً وأوسطه لبناً وأعلاه دماً، والكبد مسلطة على هذه الأصناف الثلاثة تقسمها فتجري الدم في العروق واللبن في الضروع ويبقى الفرث في الكرش ثم ينحدر، وفي ذلك عبرة لمن اعتبر. وسئل شقيق عن الإخلاص فقال: تمييز العمل من العيوب كتمييز اللبن من بين فرث ودم {سَآئِغًا لِلشَّارِبِينَ} سهل المرور في الحلق، ويقال: لم يغص أحد باللبن قط. و(من) الأولى للتبعيض لأن اللبن بعض ما في بطونها، والثانية لابتداء الغاية.


ويتعلق {وَمِن ثمرات النخيل والأعناب} بمحذوف تقديره ونسقيكم من ثمرات النخيل والأعناب أي من عصيرهما وحذف لدلالة {نسقيكم} قبله عليه وقوله {تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا} بيان وكشف عن كنه الإسقاء، أو تتخذون ومنه من تكرير الظرف للتوكيد، والضمير في {منه} يرجع إلى المضاف المحذوف الذي هو العصير، والسكر الخمر سميت بالمصدر من سكر سكراً وسكراً نحو رشد رشداً ورشداً. ثم فيه وجهان: أحدهما أن الآية سابقة على تحريم الخمر فتكون منسوخة، وثانيهما أن يجمع بين العتاب والمنة. وقيل: السكر النبيذ وهو عصير العنب والزبيب والتمر إذا طبخ حتى يذهب ثلثاه، ثم يترك حتى يشتد، وهو حلال عند أبي حنيفة وأبي يوسف رحمهما الله إلى حد السكر، ويحتجان بهذه الآية وبقوله عليه السلام: «الخمر حرام لعينها والسكر من كل شراب» وبأخبار جمة {وَرِزْقًا حَسَنًا} هو الخل والرب والتمر والزبيب وغير ذلك {إِنَّ فِى ذلك لآيَةً لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} {وأوحى رَبُّكَ إلى النحل} وألهم {أَنِ اتخذى مِنَ الجبال بُيُوتًا} هي (أن) المفسرة لأن الإيحاء فيه معنى القول. قال الزجاج: واحد النحل نحلة كنخل ونخلة والتأنيث باعتبار هذا، و{من} في {من الجبال} {وَمِنَ الشجر وَمِمَّا يَعْرِشُونَ} يرفعون من سقوف البيت أو ما يبنون للنحل في الجبال والشجر والبيوت من الأماكن التي تعسل فيها للتبعيض لأنها لا تبنى بيوتها في كل جبل وكل شجر وكل ما يعرش والضمير في {يعرشون} للناس، وبضم الراء: شامي وأبو بكر.


{ثُمَّ كُلِي مِن كُلِّ الثمرات} أي ابني البيوت ثم كلي كل ثمرة تشتهينها فإذا أكلتها {فاسلكى سُبُلَ رَبِّكِ} فادخلي الطرق التي ألهمك وأفهمك في عمل العسل، أو إذا أكلت الثمار في المواضع البعيدة من بيوتك فاسلكي إلى بيوتك راجعة سبل ربك لا تضلين فيها {ذُلُلاً} جمع ذلول وهي حال من السبل لأن الله تعالى ذللها وسهلها، أو من الضمير في {فاسلكي} أي وأنت ذلل منقادة لما أمرت به غير ممتنعة {يَخْرُجُ مِن بُطُونِهَا شَرَابٌ} يريد العسل لأنه مما يشرب تلقيه من فيها {مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ} منه أبيض وأصفر وأحمر من الشباب والكهول والشيب أو على ألوان أغذيتها {فِيهِ شِفَآء لِلنَّاسِ} لأنه من جملة الأدوية النافعة، وقل معجون من المعاجين لم يذكر الأطباء فيه العسل. وليس الغرض أنه شفاء لكل مريض كما أن كل دواء كذلك، وتنكيره لتعظيم الشفاء الذي فيه، أو لأن فيه بعض الشفاء لأن النكرة في الإثبات تخص، وشكا رجل استطلاق بطن أخيه فقال عليه السلام: «اسقه عسلاً» فجاءه وقال: زاده شراً فقال عليه السلام: «صدق الله وكذب بطن أخيك اسقه عسلاً» فسقاه فصح. وعن ابن مسعود رضي الله عنه: العسل شفاء من كل داء والقرآن شفاء لما في الصدور، فعليكم بالشفاءين: القرآن والعسل، ومن بدع الروافض أن المراد بالنحل عليّ وقومه. وعن بعضهم أن رجلاً قال عند المهدي: إنما النحل بنو هاشم يخرج من بطونهم العلم. فقال له رجل: جعل الله طعامك وشرابك مما يخرج من بطونهم فضحك المهدي، وحدث به المنصور فاتخذوه أضحوكة من أضاحيكهم {إِنَّ فِى ذَلِكَ لآيَةً لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} في عجيب أمرها فيعلمون أن الله أودعها علماً بذلك وفطنها كما أعطى أولي العقول عقولهم.

2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9